حنبعل بن أميلكار برقا الشهير بهانيبال أو حنبعل قائد عسكري قرطاجي من عائلة بونيقية عريقة يُنسب إليه اختراع العديد من التكتيكات الحربية في المعارك. كان أبوه اميلكار برقا قائداً للقرطاجيين في الحرب البونيقية الأولى، وكان أخواه صدربعل وماجو من أعظم قادة القرطاجيين، وكان شقيقاً لزوجة صدربعل العادل.
ولد بمدينة قرطاجنة (احدى ضواحي مدينة تونس حاليا) في عام 247 ق.م.، ورافق وهو في التاسعة من عمره والده اميلكار برقا إلى إسبانيا. وفي عام 221 ق.م.، اختاره الجنود قائدا بعد اغتيال صدربعل العادل زوج أخته، فتمكن من بسط نفوذ قرطاجنة على كامل شبه الجزيرة الإيبيرية بما في ذلك ساغونتو إحدى المعسكرات الرومانية. لذا، فقد رأت روما ذلك خرقا للمعاهدة التي عقدت إثر الحرب البونيقية الأولى، وطالبت بتسليمها حنبعل، وقد كان رفض هذا الطلب سببا في اندلاع الحرب البونيقية الثانية بين عامي 218 ق.م. و201 ق.م.
عاش حنبعل خلال فترة من التوتر في البحر المتوسط، عندما حاولت روما فرض سطوتها على القوى العظمى في المنطقة مثل قرطاجنة ومملكة مقدونيا الهلستينية وسرقوسة والإمبراطورية السلوقية. كانت أكبر إنجازاته خلال الحرب البونيقية الثانية، عندما سار بجيش يضم فيلة حربية، من أيبيريا عبر جبال البرانس وجبال الألب إلى شمال إيطاليا. في سنواته القليلة الأولى في إيطاليا، حقق ثلاثة انتصارات مثيرة في معارك تريبيا وبحيرة تراسمانيا وكاناي. وخلال 15 عام، إحتل حنبعل معظم إيطاليا مع ذلك اضطر إلى أن يعود لمواجهة الغزو الروماني لشمال أفريقيا. وهناك، هزمه سكيبيو الإفريقي في معركة زامة.
بعد الحرب، أصبح حنبعل حاكماً لقرطاجنة، وعندئذ قام بسنّ العديد من الإصلاحات السياسية والمالية ليتمكن من دفع تعويضات الحرب المفروضة على قرطاجنة لروما. كانت هذه الإصلاحات لا تحظى برضا الطبقة الأرستقراطية القرطاجي فوشت به لروما، ففرض عليه النفى. خلال منفاه، عاش في الإمبراطورية السلوقية، حيث قام بدور المستشار العسكري لأنطيوخس الثالث في حربه ضد روما. بعد هزيمة أنطيوخس، إضطر إلى قبول شروط روما، وفر هانيبال مرة أخرى إلى مملكة أرمينيا، واستقر في بيثينيا، حيث ساعدهم لتحقيق فوزاً بحرياً بارزاً على أسطول من بيرجامس. بعد ذلك تعرض للخيانة وكان من المفترض ان يسلم إلى الرومان, الا انه آثر تناول السم الذي قيل انه احتفظ به في خاتم لبسه لوقت طويل على ان يموت اسيرا في يد الاعداء.
يعتبر حنبعل واحدا من أعظم الجنرالات في العصور القديمة، جنبا إلى جنب مع الإسكندر الأكبر ويوليوس قيصر وسكيبيو الإفريقي وبيروس الأيبيري. الكثيرين من قادة العصر الحديث أمثال نابليون بونابرت ودوق ولينجتون، يعتبرون حنبعل "قائداً استراتيجياً موهوباً". كما تناولت العديد من الأفلام والبرامج الوثائقية قصة حياته.
يعزى إليه المقولة الشهيرة: "سوف نجد حلاً، أو سنصنع واحداً".
نشأته
كان حنبعل واحد من أبناء الزعيم القرطاجي حملقار برقا (وتعني "حملقار الصاعقة"). كان لا يزال طفلا عندما شارك أباه وصدربعل العادل والملك النوميدي نارافاس زوجيّ شقيقتاه في الحرب ضد المرتزقة وفي الغزو القرطاجي لأيبيريا.
بعد هزيمة قرطاجنة في الحرب البونيقية الأولى، تفرّغ حملقار لرعاية أسرته وتنمية ثروات قرطاجنة. مدعوماً من قادس، بدأ حملقار في إخضاع قبائل شبه الجزيرة الأيبيرية. كانت قرطاجنة في ذلك الوقت دولة فقيرة لدرجة أنها لم تتمكن من نقل قواتها عبر البحر إلى شبه الجزيرة الأيبيرية؛ بدلا من ذلك، قاد حملقار جيشه نحو أعمدة هرقل ونقلها عبر مضيق جبل طارق. توسّل حنبعل إلى والده للذهاب معه، وعندئذ، طلب منه والده أن يقسم بأنه لن يكون صديقاً لروما، طالما كان على قيد الحياة.[1][2] وأثناء غزو هسبانيا، لقي والده مصرعه في المعركة، وخلفه زوج شقيقة حنبعل صدربعل العادل في قيادته للجيش، وخدم معه حنبعل كضابط تحت قيادته.
عمل صدربعل على توطيد المصالح القرطاجية في أيبيريا، فوقّع على معاهدة مع روما تنص على ألا تتوسع قرطاجنة شمال نهر أبرة، طالما لن تتوسع روما إلى الجنوب منه. كما سعى أيضا إلى تعزيز قوة القرطاجيين من خلال تقوية علاقاتهم الدبلوماسية مع القبائل المحلية. وكجزء من تلك التحالفات رتب صدربعل لزواج بين حنبعل وأميرة أيبيرية اسمها "إيميليس".
بعد اغتيال صدربعل العادل في عام 221 ق.م.، إختار الجيش القرطاجي حنبعل قائداً له، وأقرت حكومة قرطاجنة ذلك. وبعد توليه القيادة، أمضى حنبعل عامين في تعزيز مواقعه واستكمال احتلال هسبانيا في المنطقة إلى الجنوب من نهر أبرة.
خشيت روما من تنامي قوة حنبعل في أيبيريا، التي تحالف مع مدينة ساغونتو التي تقع على مسافة كبيرة إلى الجنوب من نهر أبرة، وإدعت أن المدينة تحت حمايتها. اعتبر حنبعل ذلك خرقا للمعاهدة التي وقعها صدربعل العادل مع الرومان، وقرر حصار المدينة، التي سقطت بعد ثمانية أشهر. مما إعتبرته روما انتهاك واضح للمعاهدة، وطالبت القصاص من قرطاجنة. ونظرا لشعبية حنبعل الجارفة، لم تستنكر الحكومة القرطاجي قرارات حنبعل، عندما أعلن الحرب في نهاية العام. وعندئذ، قرر حنبعل نقل الحرب إلى قلب إيطاليا بحملة سريعة عبر هسبانيا وجنوب بلاد الغال.يقول المؤرخ الروماني تيتوس ليفيوس " سوف اروي الحرب التي علقت بالذاكرة أكثر من كل الحروب.انها الحرب التي خاضها القرطاجيون بقيادة حنبعل ضد الشعب الروماني.ذلك انه لم يحصل قط ان تصارعت مدن او شعوب أكثر قوة وعتا د ا ولم يحصل ان توفر لروما وقرطاج قدرا أكبر من القوة والعظمة.اضف إلى ذلك ان كلا من الدولتين لم تكن تجهل ما كان يقدر عليه خصمها من الناحية العسكرية ذلك ان كلتيهما اعادتا الكرة بعد ان قيمتا بعضهما خلال الحرب البونية الاولى." - تيتوس ليفيوس(60ق.م-17م) التاريخ الروماني.الباب الواحد والعشرون.الفصل الأول. -حنبعل
من أفكار حنبعل
عندما حاول حنبعل قطع جبال الآلب عمد إلى تدفأة أجساد رجاله أمام النار ثم دهنها بالزيت كي تبقى دافئة.وكان قد قطع جبال الألب راكبا على فيل وبجآنبه حصآن وعندما ساله أحد مرافقيه"لماذا معك"أجاب إنّ الفيل قويّ ولكنّه بطيء أمّا الحصان فيتسم بالسرعة وهو انسب لحال الكر والفر في وقت المعارك.وكان أثناء عبوره لجبال الالب إذا اعترضت سيره صخرة كبيرة تسد امامه الطريق عمد إلى تسخينها بالنار ثم صب الخمر فوقها حتى تتصدع وتتفتت.ومن حيله الشهيرة انه في احدى الليالي اراد الجيش الروماني تطويق القرطاجيين ليلا واخذهم على حين غرة ولكن حنبعل تفطن للشرك الذي كان يقع تحضيره فامسك بقطيع من الاغنام وربط في قرونها المشاعل الملتهبة ثم اطلقها فلما راى الرومان المشاعل ظنوا ان الجيش القرطاجي يتحرك ليلا فذهبوا وراءهم بينما كان حنبعل وجيشه يعبرون الطريق بسلام.و قد كان أحيانا يتموه بشعر مستعار ويذهب لاستقصاء أخبار العدو بنفسه وكان يملك شبكة كبيرة من الجواسيس.
موقعة كناي العظمى
مقال تفصيلي :معركة كاناي
واستمرت القوات الرومانية في تكتيك العرقلة، لكن حنا بعل بمجرد أن تأكد أن جنوده أخذوا ما ينبغي أخذه من الراحة، واستوعبوا تدريبات عالية، قرر المرور الي الاستدراج، وخلق سائر الظروف علي مدي أشهر لموقعة كناي العظمي التي بدأت في فجر اليوم الثالث من شهر آب ـ أغسطس سنة 216 ق.م. قام حنا بعل بمناورات علي مدي أشهر جعلت العدو يحرك قوات جبارة الي كناي.
كان منيوسياس روفوس صغير السن، وقام حنا بعل بمناورة فهم منها الضابط الروماني أنه صار يخاف المواجهة ويهرب. وهكذا انطلت عليه مناورة حنا بعل الذي أظهر تقهقرا منهزما زيادة في اتقان حبكة الاستدراج الكبير الذي يعده لخصمه المغرور. كان حنا بعل يقود جيشا من أربعين الفا، بينما كان جيش عدوه يتجاوز المائة ألف، نصفهم من المجندين حديثا، واعتبر أنه أقوي جيش علي الإطلاق جمعته روما في تاريخها. وزيادة في الخديعة قام الفرسان النوميديون في خفة الأشباح بغارة صدتها القوات الرومانية بنجاح، وتقهقر الفرسان مظهرين انهزامهم، فقرر عند ذاك القنصلان فارو وأميليوس مطاردة العدو المنهزم، وتقهقر القائد مهر بعل عبر نهر أوفيدوس هاربا وجيشا القنصلين بتعقبانه، وضيق عليهما الخناق شيئا فشيئا فوق سهل كناي المكشوف، وذلك في اليوم الثالث من شهر آب ـ أغسطس.
عندما التقي الجيشان أعطي حنا بعل إشارة البدء... ووجد الرومانيون أنفسهم يقاتلون في ظروف مزدوجة السوء، كانوا منكفئين بعضهم علي بعض، محصورين الكتف الي الكتف، بينما كان أعداؤهم يحومون حولهم بكامل حريتهم، كانوا منهوكي القوي، يواجهون عدوا متجدد القوة شديد البأس. كان حنا بعل يستعمل من بعيد إشارات معينة بدخان منطلق من حزم أعشاب خاصة تطلق دخانا عاليا، وكل عدد من هذه المشاعل الدخانية يعني أمرا معينا. ولم تكد تحل الظهيرة حتي اختفي الفرسان، فلم يبق فارس واحد بين مرتفعات كناي والمقر الصخري المرتفع لقيادة حنا بعل، وبقيت في هذا الامتداد كتائب مشاة الرومانيين مكدس بعضها علي بعض، في كتلة بشرية هائلة صماء. وانطلق الفرسان النوميديون الخفاف كالبرق وعلي رأسهم قائدهم مهر بعل فسدوا ثغرة فرار العدو المنهزم الهارب الي النهر. وكانت الأرض في سائر الاتجاهات ضد الرومان، وتمعن حنا بعل في هذا الموج البشري، وردد، في نشوة، وصية والده هملقار برقة: دع الأرض تقاتل عنك... وترك قادة وحداته ينفذون حرفيا خطته. وأبيد هذا الجيش الضخم. وعندما طلب منه رجاله أن يستريح أجابهم: ينبغي علي الطهاة أن يعدوا وجبة شهية، ويسخروا لها كل فنونهم، وتقدم مصحوبة بالخمر الي الجنود من سائر الرتب، فقد آن للجيش أن يستريح.
وهنا صاح العجوز مهر بعل في غضب: حنا بعل.. اسمع لي جيدا، في خمسة أيام يستطيع الجيش أن يتناول هذه الوجبة في روما نفسها، سيسبقك فرساني كالبرق إليها، فيكتشف الرومانيون بحلولك بينهم من خلال هؤلاء الفرسان المردة قبل أن يعلموا بخروجك اليهم... وتطلع حنا بعل مليا في وجه مساعده العجوز، ثم أجابه: هذا مما يسهل قوله، ويبهج القلب سماعه، يا عمنا البطل، لكن امعان التفكير في الأمر وتقليبه علي عدة وجوه، يحتاج الي وقت طويل. وهنا لم يتمالك مهر بعل نفسه فصاح فيه في غضب، وقال له قولته الخالدة: حنا بعل.. لقد حبتك الآلهة بنعم كثيرة، فأنت تعرف كيف تحرز النصر، ولكنك لا تعرف كيف تستخدمه وتستغله... واستمع حنا بعل لمساعده العجوز رفيق وصديق والده، ومعلمه سائر أنواع القتال والفروسية والرياضة، تمعن مليا فيه ثم أمر باطعام الرجال. وعند انتهاء جولته التفتيشية عاد الي مقر قيادته لينام نوما عميقا بين حراسه.
ويعقب مؤرخو سيرة حنا بعل فيجمعون علي أنه لو عمل برأي القائد الفارس مهر بعل لتمكن من احتلال روما وتغيير مجري التاريخ.. بدون حسم سريع ـ مثلما يراه مهر بعل ـ لا أمل في أن يكسب القرطاجيون الحرب في النهاية، لأنهم يقاتلون عدوا في بلاده، يملك تحت يده الشعب والغذاء والمال، بينما هو بعيد عن قرطاج، قطعت عنه الامدادات من إسبانيا التي تمكن سيبيو من السيطرة عليها، وعبر البحر المتوسط الذي تسيطر عليه الأساطيل الرومانية سيطرة مطلقة، ولا أمل في أن ترسل قرطاج نجدات عبره لحنبعل. يذكر انه بعد هذه المعركة ارسل حنبعل إلى قرطاج بثلاثة مكاييل من الخواتم الذهبية التي انتزعها من جثث خمسة آلاف فارس روماني كغنيمة حرب ولتكون رمزا لانتصاره.
تدمير قرطاجة
انتهت هذه الملحمة البطولية ملحمة الدفاع عن قرطاج. واذا كانت هذه الحرب أسفرت عن وفاة مدينة، فقد أكدت أن الإنسان أقوي من القهر، وأن ارادته لا تردع بسهولة. ولقد تأثر لهذه المأساة حتي بعض المؤرخين الأوروبيين، يقول وارمنغتون: ألقي سيبيو أميليانوس نظرة علي المدينة التي ازدهرت أكثر من سبعمائة سنة منذ انشائها، والتي حكمت مناطق كثيرة، جزرا وبحارا، وكانت ثرية في السلاح والأساطيل والفيلة والمال، مثل الامبراطوريات العظمي، بل والتي فاقتها في الإقدام والشجاعة الفائقة. فبالرغم من أنها جردت من كافة أسلحتها وسفنها، فقد صمدت أمام حصار شديد، ومجاعة دامت ثلاث سنوات، ووصلت الي نهايتها بالتدمير الكلي.
ويروي المؤرخ اليوناني بوليبيوس الذي رافق القائد الروماني في عملية التدمير، فيقول: أن سيبيو أمليانوس بكي تأثرا بما آل له عدوه، فاستعرض أمامه الحقيقة المتمثلة في أن الأفراد والأمم والامبراطوريات نهايتها محتومة، وكذلك نصيب مدينة طروادة العظيمة، ونهاية الامبراطوريات الأشورية، والميدية، والفارسية، والتدمير الأخير لامبراطورية مقدونية الكبيرة. تمعن في هذا كله ثم ردد بقصد أو بدون قصد، كلمات هكتور في الياذة هوميروس: (سيأتي اليوم الذي تسقط فيه طروادة المقدسة، وكذلك الملك بريام وجميع رجاله المسلحين معه)، وعندما سأل المؤرخ بوليبيوس، سيبيو، ماذا تقصد بهذا؟، التفت اليه القائد الروماني وقال بتأثر: هذه لحظة عظيمة يا بوليبيوس..ان الخوف يتملكني من أن نفس المصير سيكون لوطني في يوم من الأيام.